خطاب رئيس الجمهورية في تونس [fr]

تونس - المجلس التأسيسي
(7 شباط/فبراير 2014)

أود في البداية أن أشكركم على دعوتكم، وأن أحيي جميع رؤساء الدول والحكومات الحاضرين هنا الذين يمثلون المجتمع الدولي الذي يقرّ بالعمل الذي قمتم به، ويبدي إعجابه بالمسيرة التي قادتكم إلى اعتماد الدستور.

ها أنا أخاطبكم مرة ثانية في غضون بضعة أشهر، فلا
على ذلك! فقد عبّرت في شهر تموز/يوليو الماضي، باسم فرنسا، عن الثقة في ثورتكم وفي المسيرة التي استهللتموها من أجل تحقيق الديمقراطية. ولم يكن أي شيء مؤكد في حينها وكانت الأخطار تحدق بوحدتكم.

أما اليوم، فها أنا أقف أمامكم وقد أتيت لأشيد بدستور الجمهورية التونسية. إن نص الدستور هذا هو نص مهم للغاية، إذ إنه ثمرة تسوية مؤسساتية تمكنتم من التوصل إليها معا، ولأنه يشرّف ثورتكم، وأخيرا، لأنه يمكن أن يقدم نموذجا ومرجعا للعديد من البلدان الأخرى.

إن دستوركم يؤسس نظاما جمهوريا وديمقراطيا وتشاركيا في إطار سيادة القانون، وينص على التعددية وفصل السلطات والحوكمة الرشيدة واستقلال القضاء. وهذا بحد ذاته إنجاز كبير، ويجب العمل على تطبيقه فعلا.

كما يكرّس دستوركم مبدأ المساواة بين جميع المواطنين، فهو يكفل حرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية بحرية. ويؤكد الدستور ما كنت قد أكّدته هنا بالذات، في تموز/يوليو الماضي، في هذا المجلس، أي أن الإسلام يتوافق مع الديمقراطية. وأنتم تذكّرون في نص الدستور بتمسك شعبكم بتعاليم الإسلام وحقوق الإنسان، التي تعتبر قيما كونية.

ومما لا شك فيه أن دستوركم هو الدستور الوحيد في العالم الذي يعترف بالشباب باعتباره قوة فاعلة في بناء الوطن، على هذا النحو أنتم تذكّرون بالدور الأساسي الذي اضطلع به الشباب التونسي في ثورتكم، ولكنكم تبعثون أيضا رسالة لهذا الجيل الجديد في العالم الذي يريد أن يتخذ مكانه في جميع المجتمعات. ويعتزم أيضا دستوركم حماية الحقوق التي اكتسبتها المرأة وتحقيق التكافؤ بين النساء والرجال في المجالس المنتخبة. كما ترغبون في الاعتراف بحقوق الطفل وحقوق المعاقين. إن دستوركم هو نص تقدمي بهذا المفهوم، وغاياته هي غايات شاملة.

JPEG

إنكم تجتازون مرحلة مهمة للغاية اليوم بعدما تجاوزتم مراحل أخرى عديدة، كان الشعب التونسي هو صاحب المبادرة في كل منها. ففي غضون ثلاث سنوات، استطاع الشعب التونسي خلع حاكم مستبد، وكانت لديه الجسارة لتنظيم الانتخابات الحرة الأولى في تاريخكم، والشجاعة لعقد مجلس تأسيسي. وتجاوز المحن، ومنها اغتيال شكري بلعيد قبل عام في مثل هذا اليوم تقريبا، ثم اغتيال محمد براهمي في 25 تموز/يوليو الماضي. وأود باسم فرنسا أن أقدّم تحية إجلال لجميع شهدائكم، بدون استثناء أي من الشهداء الذين سقطوا على مر تاريخ الشعب التونسي.

لقد تمكنتم من الصمود يا أصدقائي الأعزاء، على الرغم من أعمال العنف، وعلى الرغم من الإرهاب، وعلى الرغم من أعمال الاستفزاز. فقد تجاوزتم الخلافات والنزاعات، وتجمعتم حول الأمور الجوهرية. وبيّنتم أن الحوار والاحترام هما أفضل الطرق لضمان السلم الأهلي والاستقرار الضروري، ومن ثم التنمية الاقتصادية.

وأود هنا أن أشيد بالدور الذي اضطلعت به الرباعية المؤلفة من الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والهيئة الوطنية للمحامين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، إذ إنها أتاحت خوض الحوار الوطني ومكّنته من النجاح، لأن ما يضفي الأصالة على ثورتكم، وحتى على دستوركم، هو الدور الذي يضطلع به المجتمع المدني. وهذا مؤشر يدل على أن استنفار الشعب التونسي كان حيا ولا يزال بعد مضي ثلاثة أعوام على سقوط النظام الاستبدادي.

كما أنني أحسب التحديات التي ستواجهونها، ولا سيّما في مجال الحكم.
إذ يتعين عليكم، مع المجلس التأسيسي، إعداد قانون الانتخابات، وتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتأمين الأمن الإقليمي – إذ يعتبر هذا حقا أساسيا - وأيضا العمل بحيث ينتعش الاقتصاد وتُستأنف الاستثمارات وتتحسن ظروف التونسيين المعيشية. وستكون فرنسا إلى جانبكم تماما في هذه المهمة، في إطار الشراكة التي حدّدتُها إبّان زيارتي في تموز/يوليو الماضي.

وقد بدأت فرنسا فعلا بإعادة الأصول التي تمت حيازتها بصورة غير شرعية. ووقّعت فرنسا معكم اتفاقات تعاون في العديد من المجالات، ومنها الأمن والثقافة والتعليم والشباب والاقتصاد.

وأصبحت الاعتمادات التي كنت قد أعلنت عنها بقيمة 500 مليون يورو، من أجل تمويل مشروعاتكم الإنمائية، متوفرة. وستواصل فرنسا المرافعة لدى شركائها الأوروبيين – وأشيد هنا بحضور السيد هيرمان فان رومبوي - لكي تحصل تونس على كل الدعم الذي تستحقه للمسيرة التي قطعتها. وأرجو أن نبعث رسالة إلى جميع من يرغب في زيارة تونس، بأن يأتوا بعديدهم، فهذا البلد مضياف ومؤهِّل وجميل وديمقراطي.

أيها الأصدقاء التونسيون الأعزاء، إن مسؤوليتكم جسيمة وتتجاوز حدود بلدكم، وأنتم تدركون هذا. فهذا هو المكان الذي انبثقت منه ثورة ألهمت ثورات الربيع العربي. ويعرف الجميع ما هي الصعوبات التي تواجهها هذه الثورات، لذا وجب عليكم النجاح، من أجل أنفسكم ولكن أيضا من أجل جميع البلدان التي تنظر إليكم. إن تونس ليست استثناءً بل هي نموذج.
إنكم تبيّنون أن الديمقراطية تصلح لجميع القارات، وجميع الحضارات، وجميع الديانات، وجميع الثقافات. إنكم تجسّدون الأمل في العالم العربي وفي ما وراء حدوده أيضا.

وأنتم تلهمون المعركة العسيرة والمؤلمة التي يخوضها أولئك الذين يناضلون ويحاربون من أجل الحرية في العالم العربي وسائر أنحاء العالم.

يتعين على الأمم أن تكتب تاريخها بنفسها دائما. وها قد أصبح لديكم الإطار الذي يتيح لكم العمل، وهو الدستور. فحافظوا على الروح التي خيّمت على عملية تأسيسه.

إن الشعب التونسي هو الذي سيقرّر مستقبله لوحده. ولكن عليه من الآن أن يكون فخورا بما أنجز، وبما أتاح، وأن يكون على يقين من صداقة الشعب الفرنسي!
وشكرا.

آخر تعديل يوم 17/08/2020

أعلى الصفحة